تسعون عاما على ميلاد فايدة كامل

أحمد عادل

ولدت فايدة كامل بالقاهرة في الثاني عشر من تموز/يوليو عام 1932 لأسرة موسيقية، فهي رابعة ثلاثة أخوة عملوا بالموسيقى والغناء، فشقيقيها عبد الرحمن الخطيب وسليمان جميل قد دخلا مجال التلحين، بينما كانت شقيقتها أميرة كامل إحدى أشهر مغنيات دار الأوبرا المصرية.

وفى حي الخليفة، ذلك الحي الشعبي الذي يفيض بمعالم القاهرة الإسلامية، التحقت فايدة بمدرسة "البهية البرهانية"، وقبل أن تبلغ الحادية عشرة شاركت بحلقات الإذاعي الكبير محمد محمود شعبان "بابا شارو"، تغني في كورال الأطفال، لتظهر طاقتها الصوتية الكبيرة، وهو ما دفعها للالتحاق بمعهد الموسيقى العربية، وكان من بين زميلاتها في المعهد الفنانة نجاة الصغيرة.

لم تقف دراسة فايدة كامل على معهد الموسيقى العربية، بل اتجهت للدراسة أيضًا في المعهد العالي للفنون المسرحية والغنائية، لتتخرج ضمن دفعة العمالقة، مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، والموسيقار كمال الطويل، والموسيقار على إسماعيل، و الموسيقار أحمد فؤاد حسن، والفنان عبد العظيم عبد الحق، دراسة أكملتها فيما بعد بدراسة الحقوق، وهو ما أهلها كثيرًا للدفاع عن قضايا وحقوق الشعب في البرلمان.

وباعتبارها واحدة من بنات الإذاعة المصرية منذ طفولتها، فقد كان الطريق إلى الميكرفون سهلاً ميسورًا، فشدت هناك أول أغنياتها، وبين أروقتها التقت بشاب موهوب كان لا يزال يخطو خطواته الأولى في عالم الألحان والغناء، إنه الموسيقار بليغ حمدي الذي كان يشارك بالغناء في البرنامج الإذاعي الشهير "ساعة لقلبك" مع الإذاعي فهمي عمر.

آمنت فايدة تلك الفنانة الصاعدة آنذاك بموهبة بليغ حمدي، ومنحته صوتها ليبدع أول ألحانه "ليه فايتنى ليه؟" من كلمات الشاعر محمد حلاوة، فنجحت الأغنية نجاحا كبيرا، لفت أنظار كبار المطربين والمطربات إلى بليغ حمدي.

وما أن أقبل يوم الثامن عشر من تموز/يوليو عام 1956 حتى استكملت مصر استقلالها بجلاء الإنجليز عن أرضها، ليضع الموسيقار محمد عبد الوهاب أول أوبريتاته الوطنية "قولوا لمصر تغنى معايا في يوم تحريرها" من كلمات الشاعر أحمد شفيق كامل، وشاركت فايدة كامل بالغناء بصحبة كبار مطربي مصر آنذاك، مثل عبد الغني السيد، ومحمد عبد المطلب، وشادية، وسعد عبد الوهاب، وعبد العزيز محمود.

وفور صدور قرار تأميم قناة السويس، شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل هجومها الثلاثي على مصر بين شهري تشرين الأول/أكتوبر عام 1956 وآذار/مارس عام 1957، وما انطلقت قذائف قوى الاستعمار على منطقة القناة حتى دوى صوت فايدة كامل عبر أثير الإذاعة المصرية بأغنيتها الشهيرة "دع سمائي" التي صاغ كلماتها الشاعر كمال عبد الحليم، ولحنها الموسيقار على إسماعيل، وتقول كلماتها:

دع سمائي      فسمائي محرقة

دع قنالي        فمياهي مغرقة

واحذر الأرض   فأرضى صاعقة

هذه أرضي أنـا

وأبي ضحــــى  هنـا

وأبي قال لنـا:

"مزقوا أعداءنـا"

أشعل صوت فايدة كامل حماس الفدائيين حتى أغرق جنود الاستعمار في نيران من الجحيم، وباتت أغنية "دع سمائي" أشبه بالنشيد الوطني لمصر آنذاك، وانضمت فايدة كامل لقائمة الأصوات التي تقض مضاجع الاستعمار إلى جانب الأستاذ أحمد سعيد المذيع الشهير بإذاعة صوت العرب، الأمر الذي دفع قائد القوات البريطانية إلى أن يقول: "سأرسل 21 مقاتلة لوقف صوت فايدة كامل"، فقصفت القوات البريطانية دار الإذاعة، قصفا لم يحل دون انطلاق صوتها عبر إذاعة دمشق.

وما أن حققت مصر الانتصار حتى عاد صوت فايدة يشدو بهذا النصر بأغنيتها الشهيرة "عاد السلام يا نيل" من كلمات حيرم الغمراوي وألحان الموسيقار محمود الشريف، لتكرس فايدة كامل صوتها للوطن حتى استحقت لقب "صوت مصر"، فانطلقت تشدو بالعديد من الأغاني الوطنية، لعل من أشهرها "أنا بور سعيد، فات الكتير يا بلدنا، لن ينام الثأر، رايتنا عالية، ع الوحدة ما شاء الله، الثورة البيضاء، لجل عيون الحرية، طير يا صاروخ، السد العالي، مصر الخالدة، قوميتي .. وغيرها الكثير من الأغاني الوطنية".

بات صوت فايدة قاسما مشتركا لنجاح الأغاني الوطنية، حتى باتت أيقونة لهذا النوع من الغناء، فأسند لها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الغناء في عملين من أشهر وطنياته، أوبريت "وطني الأكبر" و"صوت الجماهير" حيث شاركها الغناء ألمع نجوم العصر آنذاك كزميلي دراستها عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة، فضلا عن شادية، وصباح، وفايزة أحمد، ووردة الجزائرية.

برع "صوت مصر" في أداء الأغاني الدينية، ولعل أبرز تلك الأغاني، رائعتها: "الهي ليس لي ألاك عونا .. فكن عوني على هذا الزمان" وهى من كلمات الشاعر زكي الطويل وألحان نجله الموسيقار كمال الطويل.

وفى السينما قدمت فايدة كامل أربعة أفلام، هي: "على قد لحافك"، "سكة السلامة"، "أرض السلام"، "أنا وأنت".

ولم ينقض عام 1959 حتى أصبحت أغنيتها الشعبية "يا واد يا سمارة" التي كتبها الشاعر السكندري محمد علي أحمد، ولحنها الموسيقار محمود الشريف من أكثر الأغاني طلبا على الإذاعة وترديدا على ألسنة الناس، لتبرهن أنها واحدة من رائدات هذا النمط من الغناء المحبب لدى أبناء الحارات في مصر، فضلا عن أغانيها الأخرى مثل "قمر الحتة، أبو دم خفيف، ليه انشغال البال، قلبي دق دق، عشرة عُمر".

تزوجت الفنانة فايدة كامل من النقيب النبوي إسماعيل الذي أصبح فيما بعد وزيرًا للداخلية في آخر عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ومع بداية عصر الرئيس السادات ترشحت فايدة كامل عن دائرة الخليفة والسيدة عائشة عام 1971، تجربة لم يسبقها إليها فنان آخر سوى الفنان حسين صدقي في أواسط ستينيات القرن العشرين.

قرارها لم يكن مستغربا، فصوت مصر الذي انطلق في وجه أعدائها، ليس غريبا عليه أن يكون منبرا للفقراء والبسطاء من أبناء الشعب، حيث شغلت قضايا الوطن كامل طاقتها فأدخلت الصرف الصحي والمياه في دائرتها، وأنشأت إحدى عشرة مدرسة، وخمسة مراكز للشباب، إلى جانب بناء العديد من دور الفقراء والرعاية الصحية للمسنين، والمستشفيات، والجمعيات الخيرية.

وخلال عهد الرئيس السادات أطلق على فايدة كامل "صوت السلطة" حيث راحت تدافع عن كافة قرارته، ولعل أهمها قراره بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، فغنت له أغنيتها الشهيرة "تعيش لمصر يا أبو الأنوار.. تعيش بحكمة في كل قرار".  ومع بداية عام 1981 دافعت فايدة عن مطالبة السادات بأن يكون رئيسا لمصر مدى الحياة، بل وغنت له في البرلمان أغنية "ياسادات .. يا رئيسنا، يا سادات .. يا زعيمنا"، وهو ما قوبل بالغناء من سائر أعضاء البرلمان، وصادف ترحيبا من الرئيس.

وأصبحت فايدة كامل إحدى أقوى الأصوات النسائية في البرلمان فدافعت عن قضايا تمكين المرأة في المجتمع مثل قوانين (الأحوال الشخصية، والخلع، ومنح الجنسية لأبناء المصريات المتزوجات من أجنبي).

وظلت فايدة كامل نائبة بمجلس الشعب لمدة 34 عاما بين الفترة من 1971 و2005، حتى دخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية، حيث اعتبرت أطول نواب العالم مكوثا في البرلمانات، وتحظى بحب واحترام أهل دائرتها الانتخابية، وكانت آخر أعمالها في رئاستها للجنة الثقافة والإعلام والسياحة هو إعداد مشروع قانون للحفاظ على التراث السينمائي المصري، ليبقى في ذاكرة الأمة المصرية خاصة في ظل عصر العولمة والسماوات المفتوحة التي تسعى جاهدة لطمس الثقافة والهوية المصرية.

وعقب ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، مثلت فايدة كامل للاستجواب أمام النيابة العامة بشأن فساد وزير السياحة الأسبق زهير جرانة، باعتبارها رئيسة للجنة الثقافة والإعلام والسياحة، إلى أن تم إخلاء سبيلها، لتتوفي يوم 21 من تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، مخلفة وراءها إرثًا كبيرًا من الأغاني الوطنية، ومقعدًا برلمانيًا يصعب على من جاء بعدها أن يقترب من انجازاتها.

المصدر: بوابة الاهرام

Rate this item
(1 Vote)
Last modified on الإثنين, 01 آب/أغسطس 2022 08:25
مجلة الموسيقى العربية

مجلة موسيقية تصدرعن المجمع العربي للموسيقى الذي هو هيئة متخصصة من هيئات جامعة الدول العربية وجهاز ملحق بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يعنى بشؤون الموسيقى على مستوى العالم العربي، ويختص تحديداً، وكما جاء في النظام الأساسي للمجمع، بالعمل على تطوير التعليم الموسيقي في العالم العربي وتعميمه ونشر الثقافة الموسيقية، وجمع التراث الموسيقي العربي والحفاظ عليه، والعناية بالإنتاج الموسيقي الآلي والغنائي العربي والنهوض به.

https://www.arabmusicacademy.org

link

 

ama

اشترك في قائمتنا البريدية

Please enable the javascript to submit this form

هل للإيقاعات الموسيقية تأثير نفسي وبيولوجي وجسدي علينا؟
  • Votes: (0%)
  • Votes: (0%)
  • Votes: (0%)
Total Votes:
First Vote:
Last Vote:
Copyright © 2012 - ArabMusicMagazine.com, All Rights Reserved, Designed and Powered by ENANA.COM