عبد العزيز ابن عبد الجليل
جاء في القاموس أن "البرولوغَ" هو الديباجة أو التمهيد الذي تستهل به الرواية أو التمثيلية. أما في الاصطلاح الموسيقي فيراد به " غناء منفرد يقص فيه المغني على المستمعين تمهيدا للأوبرا"،[2] أو "جزء غريب عن الأوبرا يعزف في البداية وهو يشبه الكانتاتا التمثيلية"[3].
إخراج الأوبرا
تشكل أوبرا باياتشي Pagliacci أول عمل من هذا الصنف ألفه الملحن الإيطالي روجيرو ليونكافَاللو Ruggero Leoncavallo (1857–1919). وهو تأليف قصير يقوم على مقدمة وفصلين يستغرق عرضهما من الوقت ما يقارب ساعة وعشر دقائق، استوحى موضوعه من حدث تمحور حول علاقة خارجة عن نطاق الزواج أدت إلى جريمة قتل. وقد صادف أن كان نص القصة التي أنشأها ليون كافَاللو Leoncavallo يشبه بشكل غريب نص مسرحية "سيدة طاباران" La Femme de Tabarin لـ "كاطول ميندينيز" Catulle Mendès التي تشخص مشهد جريمة قتل ارتكبها ممثل أثناء عرض المسرحية. وقد أدى هذا التشابه إلى قيام مؤلف أوبرا بَّايَّاتشي بمقاضاة ملحن المسرحية بتهمة الانتحال؛ غير أنه سرعان ما تخلى عن مقاضاة غريمه بعد أن تعرض هو نفسه لذات التهمة. وقد كان تناسخ التمثيليات أمرا شائعا جدا في ذلك الوقت لدرجة أصبح من الصعب معها تتبع إلهام الفنانين ومعرفة ما إذا كان هناك سطو أدبي أم لا.
جرى العرض الأول لأوبرا بّاياتشي يوم 21 أيّار/مايو 1892، في مسرح دال فيرمي Dal Verme بمدينة ميلانو. وقد لقي استقبالا متباينا من طرف النقاد، فيما استقبله الجمهور بحفاوة كبرى، تجاوزت إيطاليا إلى كبريات المسارح في أوروبا وأمريكا، فجاء عرضه على التوالي بدار الأوبرا الملكية في لندن يوم 19 أيّار/مايو 1893، وأوبرا ميتروبوليتان بأمريكا في 22 كانون الأول/ديسمبر 1893. وفي هذه المناسبة تمت برمجتها لأول مرة مع "كفاليرا روستيكانا" Cavalleria Rusticana (1890) للملحن الإيطالي بيترو ماسكاني Pietro Mascagni بسبب ما بينهما من علاقة أدبية، ثم بسبب انتمائهما إلى نوع جديد من الأوبرا الإيطالية عرف يومئذ باسم "أوبرا فَيريزيمو"، أو أوبرا الحقيقة. ولم تكن العلاقة بين العملين اعتباطية، فلقد كشف المؤلف نفسه – منذ أن اطلع على أوبرا ماسكاني - عن رغبته في كتابة عمل من هذا النوع الجديد يستوحي مضامينه من أحداث حقيقية.
وبالفعل فإن أوبرا "باياتشي" لم ينقطع تقديمها على المسارح حتى اليوم - ونفس الشيء ينطبق على "كافَاليرا روستيكانا" وذلك لأسباب متعددة تتعلق بالجودة الجوهرية لسائر إنتاج الملحن.
"الفَيريسيم" أو الحقائقية vérisme
يراد بهذا اللفظ الإيطالي توظيف القصص الواقعية المستمدة من الحياة اليومية في موضوعات الأوبرا، وهو مذهب مدرسة أدبية ظهرت في إيطاليا أواخر القرن التاسع عشر تدعو إلى تمثيل الحقائق برمتها، على غرار المدرسة الواقعية في فرنسا. وقد ظهر أولا في الأدب وفي الرسم، ثم انتقل إلى أوبرا ما بعد الرومانسية الإيطالية لكل من روجيرو ليونكافَاللو Ruggero Leoncavallo، وبيترو ماسكاني Pietro Mascagni، وآندريا شينيي Andrea Chénier (1896)، وجياكومو بوتشيني (Giacomo Puccini) في توسكا (Tosca, 1899). لم تتميز واقعية هذه المدرسة بوحدة الأسلوب الذي ركبه سائر ممثليها، بل بجنوحها المشترك إلى التنديد بالفقر الاجتماعي بجميع أشكاله، مستخدمة سائر الوسائل الممكنة. وإذ نشأت من الرغبة في بعث الفن وإنعاش الثقافة الإيطالية بعد خيبة الأمل في توحيد إيطاليا، فقد أخذت تستمد مصادرها بشكل خاص من المذهب الطبيعي الفرنسي لـ إيميل زولا (1840–1902) التي كانت تستلهم موضوعاتها من الحياة ومن واقع حياة الفقراء الذين كانوا يعانون من الظلم الاجتماعي. وقد كان الكاتب "جيوفَاني فيرغا" (1840–1922) وهو من أقدر الأدباء الإيطاليين على ترجمة هوسه بدراسة كيفية تعامل من أسماهم "المهزومين في المجتمع" مع الحياة.
على المستوى الموسيقي لا يوجد إجماع على تعريف "أوبرا الفَيريسيمو"، ومن شأن غموض هذا المصطلح الذي يغطي كلا من طريقة الغناء (الفَيردي) وموسيقى المدرسة الإيطالية الشابة لما بعد (الفيردي) أن يساهم في تعميق الغموض الدلالي لهذا المصطلح. ومع ذلك يبقى في وسعنا أن نحدد بعضا من خصائص هذا النوع، ويأتي في صدارة هذه الخصائص الموضوع الذي يمزج بمهارة بين الدنيء والمثير من خلال تصوير جرائم القتل التي غالبا ما تثيرها الغيرة الرومانسية في أوساط الطبقات الاجتماعية الأكثر حرمانا، وكذا الجنوح نحو التوريط حيث يشخص المسرح في المسرح من خلال سرد حياة الناس ومهنتهم كفنانين على الركح. وكما جاء على لسان طونيو Tonio في استهلال الأوبرا الذي أصبح بمثابة "البيان العام" لهذه الحركة الموسيقية الفنية: "تحاول أوبرات "فَيريستو" الجمع بين الواقع والخيال معا إلى أن يندمجا تماما؛ هنا يأتي النبر ليكون في خدمة التأثير الدرامي، ولتصبح الجملة أهم من اللحن الموسيقي. وبعبارة أخرى فنحن – مرة أخرى - أمام ظهور الإلقاء في مواجهة البراعة الصوتية. هنا أيضا يصبح فهم النص ضروريا، بل وحيويا، ولبلورة هذا فغالبا ما يصار إلى تجريد الخطوط الصوتية اللحنية من زخارف "الغناء الجميل" Bel Canto، وذلك للاستفادة من تقنيات جديدة تنقل الجانب العاطفي للمواقف وتقوي استحضار "الحقيقة"، من قبيل ترعيد النغمات الحادة، والإنشاد الغنائي المعبر في المستوى العالي للصوت.
ومن الواضح ظهور تأثير فَاغنر في ابتكارات الحركة، وتحولاتها الدرامية، واستخدام الأصوات المتنافرة من أجل تعزيز التوتر الدرامي.
[1] مصادر أجنبية متعددة
[2] أحمد بيومي. (1992). القاموس الموسيقي – مصطلحات، الطبعة الأولى. القاهرة: منشورات وزارة الثقافة، المركز الثقافي القومي – دار الأوبرا المصرية، مطابع الأوقاف، ص 328.
[3] جوزف إشخانيان وغسان خليل. (1999). الموسيقى للجميع - تفسير الكلمات والعبارات الموسيقية. بيروت: ص 189.
مجلة موسيقية تصدرعن المجمع العربي للموسيقى الذي هو هيئة متخصصة من هيئات جامعة الدول العربية وجهاز ملحق بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يعنى بشؤون الموسيقى على مستوى العالم العربي، ويختص تحديداً، وكما جاء في النظام الأساسي للمجمع، بالعمل على تطوير التعليم الموسيقي في العالم العربي وتعميمه ونشر الثقافة الموسيقية، وجمع التراث الموسيقي العربي والحفاظ عليه، والعناية بالإنتاج الموسيقي الآلي والغنائي العربي والنهوض به.
https://www.arabmusicacademy.orgتشرين2 30, 2023
تشرين2 30, 2023
Total Votes: | |
First Vote: | |
Last Vote: |
تشرين2 30, 2023 Rate: 5.00
تشرين2 30, 2023 Rate: 5.00
تشرين2 30, 2023 Rate: 5.00
كانون2 03, 2021 Rate: 5.00
آذار 31, 2021 Rate: 5.00
أيار 02, 2021 Rate: 5.00
أيار 07, 2013 Rate: 1.00
أيار 02, 2015 Rate: 2.67
حزيران 30, 2012 Rate: 5.00